chatromaisa
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


chatromaisa
 
الرئيسيةالرئيسية  chat romaisachat romaisa  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 قصه سيدنا محمد (ص) كامله الجزء الخامس والأخير

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ЌÄFÃЛЎ 7ƠβμЙ
Admin
ЌÄFÃЛЎ 7ƠβμЙ


عدد المساهمات : 139
تاريخ التسجيل : 10/03/2010

قصه سيدنا محمد (ص) كامله الجزء الخامس والأخير Empty
مُساهمةموضوع: قصه سيدنا محمد (ص) كامله الجزء الخامس والأخير   قصه سيدنا محمد (ص) كامله الجزء الخامس والأخير Icon_minitimeالإثنين مارس 15, 2010 3:09 am

الدفاع عن المدينة


الماء الساكن خلف السد لا تدرك قيمته حتى يتدفق تياره، والحجرة المظلمة لا يري جمالها حتى تضاء أركانها، وكذلك المدينة عند الهجرة كان بها كثير من الخير الساكن، وبعض الأركان المظلمة، وتغير ذلك كله كان ينتظر وصول مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* والذي ما إن وصل حتى بدأ في تأسيس مجتمع جديد قبل أن ينزل عن راحلته، لكن أني للكفر أن يهدأ، وهو يبصر الإيمان ساعده يشتد، وجنوده تتجمع. لم تستطع قريش أن تكظم حقدها فأرسلت تهدد المسلمين وتتوعدهم، وهنا أنزل الله الإذن بالقتال أولاً، ثم فرض القتال بعده، وكما كانت قلوب المسلمين تهفو إلي مكة حوَّل الله صدورهم في الصلاة إلي الكعبة بنزول الوحي بتحويل القبلة. وما إن مر شهر علي تحويل القبلة، حتى ساق الله المسلمين دون تهيؤ منهم إلى غزوة بدر الكبرى فكان نصرًا كبيرًا، ونجاحًا مؤزرًا، تلته أعياد أقيمت، وفروض فرضت. واستمر الجهاد حتى كانت غزوة أحد في العام الثالث للهجرة، ولم يكد المسلمون يضمدون جراحاتهم، حتى استأنفوا جهادهم دفاعًا عن دولتهم الفتية، وأدركت قريش أنه لا قبل للمشركين بمحاربة المسلمين، إلا إذا اتحدت فصائلهم، وتجمعت أشتاتهم، فألفوا الأحزاب، وأحاطوا بالمدينة ينوون استئصال خضرائها، وإبادة ساكنيها، فكانت غزوة الأحزاب، التي نصر الله فيها عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، وقد كشفت هذه الغزوة عن لؤم اليهود وغدرهم؛ فتلاها الرسول *صلي الله عليه وسلم* بغزوة بني قريظة، وظل النشاط العسكري متقدًا بعدها حتى كانت وقعة الحديبية، والحق أن مكائد اليهود، والدور الذي لعبه المنافقون جعل مهمة الدفاع عن المدينة، لاتقتصر علي حماية حدودها فحسب، بل تشتمل أيضًا محاربة أعدائها الكامنين داخل الأسوار.



المدينة عند الهجرة


يظن البعض أن رسول الله *صلي الله عليه وسلم* القادم من مكة المشتعلة حربًا عليه وعلي دعوته، قد دخل المدينة الهادئة الوادعة، ليتمتع فيها بالاستقرار والراحة، والحق أن هذا ظن قد فاته الصواب!. إن دخول الإسلام إلي المدينة قد بدل واقعها من حال إلي حال، وإن دخول مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* إلي المدينة كان في قمة هذا التحول! أهل المدينة كانوا أوسًا وخزرجًا، فصاروا مسلمين ومشركين، والروابط كانت للعشيرة، فأصبحت للعقيدة، ومهاجرو مكة أضحوا مواطني المدينة، وحرب بعاث أمست رمادًا، والحكم صار لله، ودار الحكم موقعها المسجد، ومُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* يحكم بأمر ربه، أما تاج ابن أبي فقد طواه النسيان، ويثرب التي كانت تأمن من حولها، الآن تواجه الخطر من قريش والعربان، وأكثر من ذلك كله تنظيم الديار حول المسجد، وتغيير الأعراف الاجتماعية، وزوال أخلاق الجاهلية، وإشراق أخلاق الإسلام، وتجديد أسواق المدينة وعلاقاتها الاقتصادية، كل ذلك التحول الذي بدأه إيمان ستة من أهل يثرب، وزاده انتشار الإسلام في بيوتها وقدوم المهاجرين إلي ديارها* شهد الرسول أقصاه حين دخل المدينة القلقة، وحين تعامل مع أهلها، مسلمين، ومشركين، ويهود فأقام مجتمـعًا قاوم محاولات تفتيته بقوة وعزم.

المسلمون بالمدينة : لم يكن مسلمو المدينة علي وجه واحد، بل كان منهم المهاجرون الذين خلفوا وراءهم أموالهم وديارهم وبعض أهليهم، طاعة لرسول الله، ونصرة لدين *الله عز وجل*، كما كان منهم الأنصار المقيمون بديارهم، واشتمل رهط الأنصار علي شعبتين؛ الأوس والخزرج، وقد تجلت عظمة الإسلام، وحكمة نبيه في تحويل هذه الخيوط المتعددة إلي نسيج واحد، تجمعهم المؤاخاة وتؤلف العقيدة بين قلوبهم.


المشركون بالمدينة :


"لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ، ما كانت تكيدكم بأكثر مما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم، تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم"؟! هكذا انطلقت كلمات رسول الله *صلي الله عليه وسلم* تشق غبار حرب أعلنها مشركو المدينة علي مسلميها، وهكذا كانت خطته الحكيمة! فالمشركون يخيفون الناس من خطر قريش القادم، ويَدَّعون الحكمة في قتال المسلمين، ويجعلون من المسلمين عدوهم، أما رسول الله *صلي الله عليه وسلم*فهو يعلن في جمله الثلاث تلك المتعاقبة، أن الخطر في قتال الأهلين من المدينة، والغفلة والسفاهة في إعلان هذه الحرب، وأن العدو الأوحد لكلا الفريقين هو تجمع قريش بمكة!، وبكلماته تلك الحاسمة، استطاع أن ينهي حربًا كاد أن يستعر لهيبها!! وأن يقاوم محاولة لتفتيت المجتمع بالمدينة. والحق أن غالب مشركي المدينة لم يكونوا علي هذا القدر من الحقد والضغينة، فسوي عبد الله بن أبي الذي كاد أن يتوج ملكًا، لولا قدوم رسول الله *صلي الله عليه وسلم* إلي المدينة، وسوي من معه من الرؤساء الذين انهارت زعامتهم الجاهلية بظهور نور الإسلام، لم يكن هؤلاء المشركون يبطنون العداوة للإسلام، بل كانوا علي شك من دينهم، وتردد في تركه حتى انتقلوا إلي الإسلام أرسالاً.


اليهود في المدينة :



بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة، تلك قبائل اليهود الثلاث التي كانت تقطن المدينة، وهم رغم أصولهم العبرانية إلا أنهم صبغوا بالصبغة العربية في الزي واللغة والحضارة؛ لطول ما أقاموا في بلاد الحجاز. وقد كانوا يرون أنهم أصحاب علم وفضل وقيادة روحانية، لأنهم أهل كتاب ليسوا كوثنيي العرب، وكانوا يعلمون أن نبيًا قد أتي زمانه، واعتقدوا أنه من نسلهم، وتوعدوا أهل يثرب بقتالهم تحت إمرته. وامتاز اليهود بالمهارة في فنون التجارة، فكانوا يوردون الثياب والحبوب والخمر إلي المدينة، ويصدرون تمرها، كما كانوا يضاعفون ثرواتهم من التعامل بالربا، وقد سقط في أيديهم حين رأوا مُحَمّدا *صلي الله عليه وسلم*، لعلمهم بصدق نبوته، وخروجه عن بيتهم، وشعورهم بزوال مكانتهم، وضياع مصالحهم، باهتداء من حولهم من العرب، إلي دين الله القويم؛ ولذا كتموا عداوتهم حينًا، وأظهروها حينًا آخر، وأعماهم حقدهم حتي تحالفوا مع عباد الصنم ضد المسلمين المصدقين بموسى *عليه السلام* وكتابه، أما رسول الله *صلي الله عليه وسلم* فإنه لم يعاملهم إلا بما ظهر له، وبما علمه ربه، فعقد معهم معاهدة الند للند، علي أن لهم دينهم وله دينه، وقد كانت معاهدة تجلت فيها عظمة الإسلام ومبادؤه الخالدة، رغم محاولات اليهود الدائبة لتفتيت المجتمع المدني، ورغم كيدهم المستمر، ما ظهر منه وما بطن.


مكائد اليهود:



دخل مُحَمّد*صلي الله عليه وسلم* يثرب فوجد يهودها علي صنفين؛ بعضهم شكل تجمعًا كبيرًا مستقلاً، والبعض الآخر ظل أفرادًا داخل قبائلهم المتعددة، وعاهد *صلي الله عليه وسلم* أتباع أخيه موسى *عليه السلام* علي الصدق والنجدة والوفاء، حتى يكونوا معه في أمة يثرب. وحاول اليهود *الذين احترقت أفئدتهم حين أيقنوا بانتقال النبوة إلي ولد إسماعيل* حاولوا أن يفتتوا المجتمع المسلم وهم إن أخفوا ذلك إلي حين فإن بني قينقاع قد أظهروه بعد نصر المسلمين ببدر، فأجلاهم النبي عن المدينة، وظنت بنو النضير *بعد هزيمة المسلمين بأحد* أنها قاتلةٌ مُحَمّدا، وهمت بذلك، فألحقها المسلمون بأختها خارج أسوار المدينة الوادعة. ومرة أخري سعت يهود بالغدر حين ألبت الأحزاب لغزو المدينة، ثم أظهرت بنو قريظة الخيانة، حين ظنت أن المسلمين قد انتهي أمرهم، فحالفت قريشًا ومن معها، ولكن الله تعالي نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده. فدفعت بنو قريظة ثمنًا فادحًا لخطيئتها الفادحة. ويبدو أن تطهير المدينة لم يعد كافيًا؛ إذ تجمعت رؤوس الفتنة والغدر بخيبر، تنسج بليل المكائد للمسلمين. فذهب إليهم النبي ليحاربهم وجهًا لوجه كما ألف، لا دسًّا وغيلة كما اعتاد الخائنون، ولم يعد إلا ونصر الله يخفق بجناحيه فوق جيشه الميمون. وبعد، فقد بقي اليهود في دين الله، ودولة المسلمين، أمة من الأمم، لها ما للمسلمين، وعليها ما عليهم، ما بقي أتباعها مسالمين وادعين، أما إن أظهروا الغدر والعداء، فجزاء الغادرين المعتدين في دين الله صارم قاطع، ليهود أو غيرها!.


تأسيس مجتمع جديد


ما أيسر أن نطوف بخيالنا في دروب مدينة فاضلة، نصف معالمها لمن حولنا حين نفيق! ثم ما أعظمها من مهمة حين ننهض؛ لنقيم بسواعدنا ما طمح إليه ذلك الخيال، إن تغيير المجتمعات إلي الأفضل يبقي أصعب مهمة واجهها الإنسان، ذلك أنه يبدأ من واقع اختلطت فيه آمال الناس وآلامهم، بأعرافهم وأخلاقهم، ثم بأوضاعهم ونظمهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعليه أن يتعامل مع ذلك كله؛ ليحوله إلي مثاله المنشود، وقد كانت تلك هي المهمة التي طفق رسول الله *صلي الله عليه وسلم* يعالجها منذ وطئت قدمه الشريفة أرض المدينة وحتى وفاته، وبها بدأ التقويم الإسلامي للتاريخ، إن بذور الإسلام التي بذرها مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* في صدور أصحابه بمكة قد نمت وأينعت، وصارت حياة كاملة تراها في أسواق المسلمين، وتجارتهم. وتلحظها في عمارة دورهم، وتخطيط شوارعهم، ولهوهم ومرحهم، كما تجدها في خلقهم وأعرافهم، ونظمهم، وحربهم وسلمهم. وتشاهدها دومًا إن حدثت الناس، أو تجولت في المكان!. ولقد بدأ رسول الله *صلي الله عليه وسلم* طريقه الشاق ذلك ببناء المسجد، ثم بترسيخ المؤاخاة، وبعقد ميثاق التحالف *دستور الدولة*، >بث الخلق، ورفع المعنويات، ثم بمعاهدته مع اليهود، حتى إذا استقر له الأمر، واطمأن إلي الأساس، شرع يقيم بجد وجلد بناء مجتمعه المنشود، والذي قاوم بذكاء محاولات تفتيته المختلفة.



بناء المسجد وتشريع الأذان



كان أول ما طالعته عيون المسلمين بالمدينة بعد نزول النبي *صلي الله عليه وسلم* علي أبي أيوب رؤيتها رسول الله يشمر عن ساعديه، وينقل اللبن والحجارة بانيًا مسجده النبوي منشدًا: اللهم لاعيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة

وقد أقيم المسجد في المكان الذي بركت فيه ناقة المصطفي، بعد أن اشتراه من يتيمين يملكانه، فسوي أرضه، وأقام أعمدته من الحجارة، وحوائطه من اللبن والطين، وسقفه من جريد النخل، وعمده من الجذوع، وفرشت أرضه من الرمال والحصباء، وجعلت له ثلاثة أبواب. وبني النبي *صلي الله عليه وسلم* إلي جانبه حجرات أزواجه، من الحجر اللبن، وسقفها بالجريد والجذوع. وإلي جانب كونه مكانًا للعبادة والصلاة فقد ظل المسجد منتدى تلتقي فيه جموع المسلمين، وجامعة يتلقون فيها علومهم، وبرلمانًا لعقد المجالس الاستشارية، بل ودارًا يأوي إليها فقراء المهاجرين الذين عدموا الدار و المال والأهل بمكة. وكان تشريع الأذان في بداية الهجرة ميلادًا لصيحة الحق التي لازال المسلمون يتمتعون بسماعها خمس مرات كل يوم وليلة.

تشريع الأذان: ما أعظم القلوب حين تتجلى فيتراءى الحق علي صفحتها! إن صحابيًا جليلاً هو عبد الله بن زيد رأي في منامه رجلاً عليه ثوبان أخضران، يحمل ناقوسًا في يده، فأراد أن يبتاعه منه حتى يدعو به إلي الصلاة، فسأله الرجل: أفلا أدلك علي خير من ذلك؟ ثم أرشده إلي كيفية الأذان. وأسرع ابن زيد إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم* يخبره الخبر فقال له: إنها لرؤيا حق إن شاء الله، ثم أمره أن يعلمها بلالاً صاحب الصوت النّدي؛ ليؤذن بها بين الناس. أما بلال فإنه ما إن بدأ أذانه حتى فوجئ المسلمون بعمر بن الخطاب يسرع في الطريق يجر رداءه قائلاً: يا نبي الله، والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل ما رأي!!. وهكذا يتضح أن من شغل قلبه بالبحث عن الحق لا يلبث إلا أن يهديه الله إليه.


المؤاخاة وميثاق التحالف



أوس وخزرج فرقت بينهما حرب بعاث، وقرشيون ويثربيون فرقت بينهم عصبية الجاهلية وحميتها، كان هذا هو أول ما التفت إليه مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* بعد أن أتم بناء المسجد!.

وفي دار أنس بن مالك كان اجتماع تسعين رجلاً من المسلمين، نصفهم من المهاجرين ونصفهم من الأنصار، يؤاخي رسول الله *صلي الله عليه وسلم* بين كل اثنين منهم علي المواساة، بل والميراث أيضًا، ولقد كانت لحظة رائعة في تاريخ الإنسانية، ذابت فيها روابط الجنس واللون والدم حين قويت وتآلفت روابط الدين والعقيدة. ثم عقد النبي *صلي الله عليه وسلم* ميثاق تحالف بين المهاجرين والأنصار تأكيدًا ودعمًا لمبدأ الأخوة والتراحم، اللازم لبناء المجتمع. ولم يكن من العجيب بعدئذ أن تلمح سعد بن الربيع يعرض علي عبد الرحمن بن عوف *رضي الله عنهما* أن يطلق له زوجته، ويعطيه نصف ماله، كما لم يكن من المستغرب أن نري الأنصار والمهاجرة قد علت أصواتهم عند النبي، فالأنصار يقولون: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل، فيرد عليهم النبي *صلي الله عليه وسلم*قائلاً: لا. فيقولون: فتكفونا المؤنة، ونشرككم في الثمرة، فترد المهاجرة: سمعنا وأطعنا.

ميثاق التحالف: مجتمع وليد، وواقع متحول، ودولة يراد لها القيام لا بد لكل ذلك جميعًا من دستور واضح مستقر، ينظم لهم أمورهم، ويرجعون إليه ومن قوله للمسلمين والمؤمنين من قريش ويثرب: إنهم أمة واحدة من دون الناس، إلي قوله: وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلي الله *عز وجل*، وإلي مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم*، كانت بنود هذا الدستور النبوي لمجتمع المدينة. ولاشك أن روح هذا الميثاق قد تجلت في مبدأين أساسين:

1. الرابطة هي العقيدة.

2. والحكم هو الله.

وقد شمل هذا الميثاق أيضًا معاهدة مع اليهود، تليت بمعاهدات مع قبائل عربية متفرقة.



بث الخلق ورفع المعنويات


"يا أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام". ذلك كان درس الإسلام الأول، علي يدي النبي *صلي الله عليه وسلم* حين دخل المدينة، الإحسان إلي المخلوق، والإحسان مع الخالق، روح الرسالة وجوهرها!. وما مضت إلا سنوات قلائل حتى توفي رسول الله، وقد ترك مجتمعًا أنموذجًا في خلقه وفضله، مجتمعًا يعلم أن إماطة الأذى عن الطريق شعبة من شعب الإيمان، كما يعلم أن التراحم والتواصل سر قوته ونصرته، إن المعنيين باللوائح والدساتير سيبهرهم ميثاق التحالف، كما إن المهتمين بروح القانون ومقاصده سيدهشهم ذلك المجتمع المسلم الذي صنعه مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم*.



المعاهدة مع اليهود


يأتي الإسلام ليقدم للبشرية الخير، ويحقق لها السعادة، البشرية بأسرها مسلمين كانوا أم غير مسلمين، وفي عالم مزقته العصبية الحمقاء جاء الإسلام، ليقر المبدأ السامي البسيط: (لا إكراه في الدين). ومعاهدة مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* مع اليهود تنطق برغبة صادقة في تحقيق الخير والأمن، ومنع الفساد والاضطراب، بأمة واحدة، اليهود أحد عناصرها، نعم بدا للرسول بعض ما يبطنون حين أسلم عبد الله بن سلام، وحين حاولوا تفتيت المجتمع، لكن ما للإسلام ونبيه والتفتيش عما بذات الصدور؟! إنما حسبه ما ظهر!.

محاولة تفتيت المجتمع : لاشك أن ساذجًا عربيًا، مشركًا كان أو يهوديًا، عاش بالمدينة وقت قدوم النبي *صلي الله عليه وسلم* إليها، سوف يدرك ببداهة أن أسرع وسيلة لتفتيت مجتمع المدينة هي العبث بأوتار الفرقة بين الأوس والخزرج، أو بين الوافدين من أهل مكة، والمقيمين من أهل المدينة. ولئن قام بالأولى اليهود، بمكر من شيخهم شاس بن قيس، فلقد قام بالثانية المشركون، بدهاء من كبيرهم عبد الله بن أبي، وبذكاء وسرعة ذكّر مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم*المسلمين بربهم قائلاً: الله الله ! أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟، وذكرهم بنعمة الإيمان والتأليف بين قلوبهم، فتركوا السلاح، وعانق بعضهم بعضًا وهم يبكون، كما أنه بنفس الذكاء والحزم ذكر المشركين برابطة القرابة والنسب، فصرفهم عن قتال أهليهم من المؤمنين، لرسالة خبيثة بعثت بها قريش.




قصه سيدنا محمد (ص) كامله الجزء الخامس والأخير 5



تهديدات قريش والصد عن المسجد الحرام


إن مُحَمّدا *صلي الله عليه وسلم* المشغول ببناء مسجده، والمؤاخاة بين أفراد أمته، وعقد المعاهدات مع جيرانه، والعناية بتنظيم شئون مدينته، فوجئ بخطاب من قريش تعلن فيه الحرب عليه وعلي من اتبعه، ثم إن الأنصار قد فوجئوا أيضًا بأنهم ممنوعون من زيارة بيت الله الحرام، وتمادت قريش في تهديد المهاجرين، فاتخذ المسلمون حذرهم واحتياطهم.

قريش تعلن الحرب : "إنكم آويتم صاحبنا، وإنا نقسم بالله لنقاتلنه أو لنخرجنه أو لنسيرن إليكم بأجمعنا، حتى نقتل مقاتليكم ونستبيح نساءكم". كانت هذه هي كلمات رسالة قريش، والتي قرأها عبد الله بن أبي بن سلول بعين زائغة، ويد مرتعشة، فطاش صوابه، وجمع إخوانه من عبدة الأوثان، لقتال مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* ومن معه، مهاجرين كانوا أم أنصارًا، لكن رسول الله *صلي الله عليه وسلم* بحكمته في التعامل مع المشركين أطفأ نارًا، كاد أن يتأجج لهيبها، مانعًا بذلك إحدى محاولات تفتيت المجتمع المسلم.

الصد عن المسجد الحرام: إن قريشًا التي ثارت ثائرتها ضد الإسلام وأهله بدعوى الحفاظ علي تراث الآباء، وقيم المجتمع المكي العريقة، تفاجئنا اليوم بموقف غريب، فأبو جهل سيد قريش، القبيلة المسئولة عن تهيئة بيت الله لزواره. وتيسير هذه الزيارة لهم يري سعد بن معاذ يطوف بالكعبة مع أمية بن خلف حليفه بمكة، فيعترض طريقه قائلاً بغلظة: ألا أراك تطوف بمكة آمنًا وقد آويتم الصباة، وزعمتم أنكم تنصرونهم، وتعينونهم، أما والله لولا أنك مع أبي صفوان مارجعت إلي أهلك سالما، فرفع سعد صوته عليه صائحًا: أما والله لئن منعتني هذا لأمنعك ما هو أشد عليك منه، طريقك علي أهل المدينة.

تهديد المهاجرين: يبدو أن نصيحة عتبة بن ربيعة لقريش بعد لقائه بمُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* حين قال لهم: إن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر علي العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به* يبدو أن هذه النصيحة التي تجاهلوها قديمًا ما زالت لاتجد صداها لديهم، رغم ما رأوه طيلة سنوات من الآيات والعبر، إن قريشًا لم تر المسلمين كشرٍ رحل عنها، بل كخطر يجب عليها أن تتعقبه ولا تفلته، فأرسلت إلي المسلمين بالمدينة متوعدةً مهددةً: لا يغرنكم أنكم أفلتمونا إلي يثرب، سنأتيكم فنستأصلكم ونبيد خضراءكم في عقر داركم، وتأكد المسلمون من عزمهم علي المضي في غيِّهم، فأخذوا حذرهم واحتياطهم لذلك.



حذر المسلمين واحتياطهم


لئن كان خوف المسلمين بمكة راجعًا لعجزهم عن حمل السلاح، فإن حذرهم بالمدينة قد ألجأهم إلي حمله أثناء نومهم!. روي أبي بن كعب، قال: لما قدم رسول الله وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار، رمتهم العرب عن قوس واحدة، وكانوا لا يبيتون إلا بالسلاح ولا يصبحون إلا فيه، هكذا كانت حالهم، وهكذا كان رسولهم *صلي الله عليه وسلم* الذي كان لا يبيت إلا ساهرًا، أو في حرس من الصحابة.


الإذن بالقتال



تبدلت الظروف بالمسلمين، وتغيرت أحوالهم بين مكة والمدينة؛ فأذن الله عز وجل* لهم بالقتال؛ دفعًا للظلم عنهم، واعتمادًا علي نصر القدير، وكان علي المسلمين في هذا الوقت أن يبسطوا سيطرتهم علي جوار المدينة، لا أن يستكينوا بعقرها!. وتحقيقًا لهذا الواجب فقد سلكوا سبيلين، أولهما: عقد معاهدات الحلف، أو عدم الاعتداء علي القبائل المجاورة لطريق التجارة من مكة إلي الشام، أو القاطنة بينه وبين المدينة، وثاني هذين السبيلين: إرسال السرايا والغزوات إلي هذه الطريق.



عقد معاهدات الحلف


فضلاً عن مشركي المدينة الذين سالمهم رسول الله، فإن باب الموادعة والمهادنة مع غير المحاربين من المشركين ظل مفتوحًا. عقد النبي *صلي الله عليه وسلم* معاهدة مع جهينة، وكانت مساكنهم علي ثلاث مراحل من المدينة، كما حالف عمرو بن مخشى الضمري، سيد بني ضمرة في غزوة الأبواء، وفي غزوة العشيرة عاهد بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة، وفي العام الخامس الهجري، بعد أن بدأت القبائل تتجرأ علي المسلمين عقب أحد، وعلم رسول الله *صلي الله عليه وسلم* أن بعضًا منها علي مشارف الشام تعد العدة لغزو المدينة، بادرهم ونزل بساحتهم فوجد أهل دومة الجندل قد فروا في كل وجه، ثم وادع في تلك الغزوة سيدهم عيينة بن حصن، والمتتبع لسرايا المسلمين وغزواتهم يدرك بجلاء أنهم ما كانوا يقصدون حربًا إلا لقريش التي هددتهم، أو لقبيلة أعلنت عداءها للنبي، ولعل نص المعاهدة مع بني ضمرة توضح هذا المعني، إذ تقول كلماتها: هذا كتاب من مُحَمّد رسول الله لبني ضمرة، فإنهم آمنون علي أموالهم، وأنفسهم، وأن لهم النصر علي من رامهم، إلا أن يحاربوا دين الله، مابل بحر صوفة، وإن النبي إذا دعاهم لنصره أجابوه.


السرايا والغزوات قبل بدر



باب المهادنة مفتوح، وقد ولجت منه جهينة وبنو ضمرة، أما إن أبت قريش إلا الصياح والتوعد، والتهديد والتطاول، فللحق قوة تحميه! هذا ما أكده النبي، ومن معه من المسلمين، لمشركي مكة ومن مالأهم، في سرايا وغزوات متتابعة وهي: سرية سيف البحر، وسرية رابغ، وسرية الخرار، وغزوة الأبواء، وغزوة بواط، وغزوة سفوان، وغزوة ذي العشيرة، وسرية نخلة.

سرية سيف البحر: علم رسول الله *صلي الله عليه وسلم* بخروج أبي جهل في عير لقريش، ومعه ثلاثمائة رجل، فعقد لواءً أبيض لحمزة وأرسله في ثلاثين رجلاً من المهاجرين، يحمل لواءهم أبو مرثد كناز بن حصين الغنوي، فبلغوا سيف البحر، من ناحية العيص، فالتقوا واصطفوا للقتال، لولا أن مجدي بن عمرو الجهني *وكان حليفًا للفريقين* قد مشي بينهما حتى حجز بينهم، وكانت هذه السرية في رمضان عام واحد من الهـجرة.

سرية رابغ: وقد وقعت في شوال في السنة الأولي من الهجرة، حيث التقي المسلمون، وقوامهم ستون راكبًا من المهاجرين علي رأسهم عبيدة بن الحارث بن المطلب، مع مائتين من المشركين تحت إمرة أبي سفيان* التقوا علي بطن رابغ، فتراموا بالنبل دون وقوع قتال، وكان حامل لواء المسلمين يومئذ>مسطح بن أثاثة، ومن طرائف هذه السرية انضمام اثنين من جيش المشركين إلي المسلمين، وهما المقداد بن عمرو البهراني، وعتبة بن غزوان المازني، فقد كانا مسلمين، خرجا مع الكفار كوسيلة؛ لبلوغ جيش المسلمين.

سرية الخرار: وقد خرج فيها سعد بن أبي وقاص في عشرين راكبًا، في ذي القعدة في السنة الأولي من الهـجرة، يكمنون بالنهار ويسيرون بالليل، طلبًا لعير قريش، حتى بلغوا الخرار، فوجدوا العير قد مرت بالأمس، فعادوا ولم يلاحقوها، تنفيذًا لأمررسول الله *صلي الله عليه وسلم* لهم بذلك، وقد كان حامل اللواء يومئذ المقداد بن عمرو.


الغزوات


غزوة الأبواء: وهي أول غزوة يخرج فيها رسول الله *صلي الله عليه وسلم* بنفسه مستخلفًا سعد بن عبادة علي المدينة، في جيش قوامه سبعون رجلاً من المهاجرين، حامل لوائهم حمزة بن عبد المطلب؛ طلبًا لعير قريش، وقد بلغ الجيش "ودان" فلم يلق كيدًا، وفي هذه الغزوة عقد النبي *صلي الله عليه وسلم* معاهدة حلف مع عمرو بن مخشي الضمري سيد بني ضمرة. وقد جرت هذه الغزوة في صفر سنة اثنتين من الهجرة.

غزوة بواط: في ربيع الأول في السنة الثانية من الهجرة، خرج رسول الله *صلي الله عليه وسلم* في مائتين من أصحابه، يحمل لواءهم سعد بن أبي وقاص؛ ليعترض ألفين وخمسمائة بعير لقريش، يحميها مائة رجل علي رأسهم أمية بن خلف الجمحي، فبلغ بواط ولم يلق كيدًا، وكان خليفته *صلي الله عليه وسلم* علي المدينة سعد بن معاذ .

غزوة سفوان: تسمى هذه الغزوة بغزوة بدر الأولي، وقد وقعت أحداثها في ربيع الأول سنة اثنتين من الهجرة؛ إذ أغار كرز بن جابر الفهري في قوات خفيفة من المشركين علي مراعي المدينة، ونهب بعض المواشي، فخرج رسول الله *صلي الله عليه وسلم* لمطاردته في سبعين رجلاً من أصحابه، بعد أن استخلف علي المدينة زيد بن حارثة، وأعطي اللواء علي بن أبي طالب، ووصل النبي *صلي الله عليه وسلم* واديًا يقال له سفوان، من ناحية بدر، لكنه لم يدركها فرجع من دون حرب.

غزوة ذي العشيرة: خرج رسول الله *صلي الله عليه وسلم* في جمادى الأولى في السنة الثانية من الهجرة في خمسين ومائة *ويقال في مائتين* من المهاجرين، علي ثلاثين بعيرًا يعتقبونها، اعتراضًا لعير قريش الذاهبة إلي الشام، لكنهم حين بلغوا ذا العشيرة وجدوا أنها قد فاتتهم بأيام، وهذه العير هي التي طلبها رسول الله *صلي الله عليه وسلم* في رحلة عودتها من الشام، فكانت سببًا لغزوة بدر الكبرى، وقد آب إلي المدينة في جمادى الآخرة، وكان قد استخلف عليها أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي، وحامل اللواء في هذه الغزوة هو سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، وقد عقد النبي *صلي الله عليه وسلم* معاهدة عدم الاعتداء مع بني مدلج وحلفائهم من بني ضمرة في هذه الغزوة.


سرية نخلة


بعد أن أتم عبد الله بن جحش، واثنا عشر مهاجرًا يومين في مسيرهم فضوا كتاب رسول الله *صلي الله عليه وسلم* الذي كان معهم تنفيذًا لأوامره، فوجدوا فيه: إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل بين مكة والطائف، فترصد بها عير قريش، وتعلم لنا من أخبارهم. وشعر عبد الله بثقل المهمة، وقلة عدد أصحابه، فخيرهم بين المجيء معه، إن أحبوا الشهادة، وبين الرجوع إلي المدينة إن كرهوا الموت، فما تخلف عنه منهم أحد، إلا سعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان فإنهما كانا يعتقبان بعيرًا لهما فهرب منهما، فتخلفا في طلبه. واستأنفت السرية مسيرها حتى بلغت نخلة، ورأت عير قريش تمر حاملة الزبيب، والأدم والتجارة، وفيها عمرو بن الحضرمي، وعثمان ونوفل ابنا عبد الله بن المغيرة، والحكم بن كيسان مولي ابن المغيرة. وهنا وقع المسلمون في حيرة كبيرة، إذ كانوا في اليوم الأخير من شهر رجب في السنة الثانية من الهجرة. وهو شهر حرام، لا يجوز فيه القتال، لكنهم إن تركوهم دخلوا مكة، وانتهي الأمر، ورأوا بعد المشاورة أن يقاتلوهم، فرموا عمرو بن الحضرمي فقتلوه، وأسروا عثمان والحكم، وأفلت نوفل، ثم قدموا بالعير والأسيرين إلي المدينة، وعزلوا من ذلك الخمس، فكان أول خمس، وأول قتيل، وأول أسيرين في الإسلام، وهنا أطلقت قريش التي طالما انتهكت حرمات المسلمين، وسفكت دماءهم بالبلد الحرام* أطلقت عقيرتها، حزنًا علي شهر الله الحرام الذي انتهك، ثم نزل الوحي بالقول الحق، موضحًا أن حرمات المسلمين التي انتهكت، ودم نبيهم الذي كاد يسفك، أعظم حرمة عند الله من شهر رجب، وقد أطلق بعدها رسول الله *صلي الله عليه وسلم* سراح الأسيرين وأدي دية المقتول إلي أهله.


فرض القتال


إن قريشًا التي طال تكبرها، قد لقنتها سرية نخلة درسًا لم تنسه، فعبد الله بن جحش ونفر من المسلمين معه يستطيعون بسهولة أن يغيروا علي تجارة قري، فيسوقوا عيرها إلي المدينة مع أسيرين، وقد خلفوا وراءهم قتيلاً، لكن قريشًا المعاندة والتي أدركت الخطر علي طريق تجارتها إلي الشام، قد اختارت سبيل الحرب من جديد، وهنا وفي شعبان سنة اثنتين من الهجرة نزلت آيات الله تعالي الفارضة للجهاد، والقتال في سبيله، ثم ما لبثت هذه الآيات غير يسير، حتى تليت بآيات من سورة مُحَمّد، تصف طريقة القتال، وتبين أحكامه، وتحث عليه، وتذم أولئك الوجلين منه، الخائفين علي أنفسهم.


تحويل القبلة



إن رفع الستار قد يكون لفضح المتسترين به، أو لاستقبال نهار يوم جديد، أما تحويل القبلة، فقد كان الأمرين معًا!!. فحين نزل أمر الله تعالي في شعبان في العام الثاني من الهجرة بتحويل قبلة المسلمين من المسجد الأقصى بالقدس، إلي المسجد الحرام بمكة، فضح كثير من ضعفاء اليهود ومنافقيهم، الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا عداوته* فضحوا برفضهم الامتثال لأمر الله، ورجوعهم إلي ما كانوا عليه، فتطهرت صفوف المسلمين منهم. ولا شك أيضًا أن في تحويل القبلة إيذانًا باستقبال طور جديد في دعوة المسلمين، طور لا ينتهي إلا باحتلال القبلة الجديدة، فهل يصلي المسلمون لقبلة قد نجستها أوثان المشركين؟! اللهم لا!.



غزوة بدر الكبرى


قلة من المؤمنين ساقهم الله تعالي لملاقاة الكثرة من المشركين المتكبرين، حتى إذا وافوهم لم يلبثوا إلا يسيرًا، ثم نصرهم الله بقدرته عليهم، تلك كانت قصة بدر! القصة التي مهما قلبت صفحاتها طالعتك قدرة الله، وتدبيره لعباده، حين تتأمل سبب الغزوة، أو قوة الجيش المسلم وتنظيمه، وإذا صحبتهم في الطريق إلي بدر أو استمعت إلي النذير في مكة، أو رأيت تجهز المشركين للغزو، وتحرك جيشهم، وانفلات عيرهم، وانشقاق جيشهم، في كل ذلك ستجد حتمًا قدرة الله وتدبيره!. إن مشاهد بدر المتتالية تغرس اليقين في قلب المسلم، وتورثه صدق التوكل علي ربه، توكلاً لاينافيه أخذه بالأسباب، إن هذه المعاني تتسارع إلي قلوبنا ونحن نشاهد الرسول *صلي الله عليه وسلم* يستشير صحابته قبل الغزوة، ثم حين يقوم بالاستكشاف لمعركته، وتتسارع إلي قلوبنا ونحن نستمع إلي صوت نزول المطر قبيل المعركة، أو ونحن نري نشر القوات وتهيئة مكان القيادة، ثم حين نستمع إلي صوت القيادة، ثم حين نستمع إلي كلمات المصطفي *صلي الله عليه وسلم* وهو يقوم بالتعبئة المعنوية، وكذلك حين نولي وجهنا شطر الجانب الآخر فنلحظ الخلاف وقد تجدد في صفوف المشركين، لكن الأعجب من ذلك كله، هو دقات قلوبنا التي لا زالت بعد أربعة عشر قرنًا من هذه الحادثة تتلاحق وهي تتابع ترائي الجيشين، وقدوم ساعة الصفر، ثم المبارزة الأولي قبل الهجوم العام، ومناشدة الرسول ربه عز وجل، والهجوم المضاد، وانسحاب إبليس من المعركة، ثم الهزيمة الساحقة، ونهاية المعركة. إن مشاهد هذه الغزوة لا تسأم منها قلوب المؤمنين أبدًا، وإن صورة مكة وهي تتلقى أنباء الهزيمة، والمدينة وهي تتلقي أنباء النصر، ثم تستقبل عودة النبي *صلي الله عليه وسلم* وجيشه إليها لترسم في مخيلتنا نهاية حلقة من حلقات الصراع بين الحق والباطل، أما قضية الخلاف في الغنائم، وقضية الأسري، فتؤكدان بشرية حملة ذلك الحق، وحاجتهم الدائمة للتربية والتوجيه.

سبب الغزوة: كسائر السرايا والغزوات التي سبقت بدرًا، بل كامتداد لإحداها *غزوة ذي العشيرة* كان منشأ هذه الغزوة، علم رسول الله *صلي الله عليه وسلم* برحيل عير لقريش. وعير هذه المرة قد بلغ عددها ألفًا، وحملت من الدنانير الذهبية ما لا يقل عن الخمسين ألفًا، أما حرسها فلم يزد علي أربعين رجلاً، يرأسهم أبو سفيان بن حرب في رحلة عودته من الشام إلي مكة، وما عزم رسول الله *صلي الله عليه وسلم* علي أحد بالخروج * كشأنه في سائر السرايا والغزوات السابقة* بل أعلن قائلاً: هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها؛ ولذا فإنه لم ينكر علي أحد من الصحابة تخلف عنه في هذه الغزوة. هذا وقد استخلف رسول الله *صلي الله عليه وسلم* علي المدينة والصلاة عبد الله بن أم مكتوم، حتى إذا كان بالروحاء رد أبا لبابة بن عبد المنذر، واستعمله علي المدينة وقد كان خروجه *صلي الله عليه وسلم* في اليوم الثامن أو الثاني عشر من رمضان للسنة الثانية من الهجرة.

قوة الجيش وتنظيمه: أسرع رسول الله *صلي الله عليه وسلم* لإدراك العير، فلم يكن معه إلا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، قد اصطحبوا فرسين لا ثالث لهما، أحدهما للزبير بن العوام والآخر للمقداد بن الأسود الكندي وسبعين بعيرًا يعتقب كل بعير الرجلان والثلاثة، وقد كان رسول الله وعلي ومرثد بن أبي مرثد الغنوي يعتقبون بعيرًا واحدًا، أما لواء الجيش فكان أبيض يحمله مصعب بن عمير العبدري. وقد قسم رسول الله *صلي الله عليه وسلم* جيشه إلي كتيبتين: إحداهما للمهاجرين، ويحمل علمها علي بن أبي طالب، والأخرى للأنصار ويحمل علمها سعد بن معاذ، كما جعل علي الميمنة الزبير بن العوام وعلي الميسرة المقداد بن عمرو، وعلي الساقة قيس بن أبي صعصعة. أما القيادة العامة فكانت في يده *صلي الله عليه وسلم*.

الطريق إلى بدر: سار الجيش علي الطريق الرئيسي المؤدي إلي مكة، حتي بلغوا بئر الروحاء، ثم ترك طريق مكة بيسار، وانحرف ذات اليمين علي النازية * يريد بدرًا* فسلك في ناحية منها، حتى قطع واديًا يقال له رحقان، بين النازية وبين مضيق الصفراء، ثم مر علي المضيق، ثم انصب منه حتى قرب من الصفراء، وهنالك بعث بسبس بن عمرو، وعدي بن أبي الزغباء الجهنيين إلي بدر يتجسسان له أخبار العير، وعند وادي ذفران جاءه خبر انفلات العير، وتجهز جيش المشركين وتحركه، فاستشار صحابته في الرجوع أو القتال، ثم واصل مسيره فسلك علي ثنايا يقال لها الأصافر، ثم هبط إلي بلد تدعي الدبة، وترك كثيبًا عظيمًا يسمي الحنان بيمين، حتى نزل قريبًا من بدر.

النذير في مكة: "يا معشر قريش، اللطيمة اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها مُحَمّد في أصحابه، لا أري أن تدركوها، الغوث الغوث"!. كانت هذه هي الصرخة التي شقت سماء مكة، الملتهبة بقيظ نهار رمضان، وقد أسرع أهل مكة نحوها، فوجدوا ضمضم بن عمرو الغفاري، الذي استأجره أبو سفيان؛ ليحذر قريشا، فتنقذ تجارتها التي معه* وجدوه واقفًا علي بعيره، وقد جدع أنفه، وحول رحله، وشق قميصه، وأخذ يصرخ بصرخته السالفة.

تجهز المشركين للغزو: إن قريشًا التي لم تندمل بعد جراحاتها من سرية نخلة، قد فزعت إلي الحرب مسرعة، وهي تصيح: أيظن مُحَمّد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي؟ كلا، والله ليعلمن غير ذلك!، وإن مُحَمّدا *صلي الله عليه وسلم* الذي خرج في قليل من أصحابه يطلب العير، تعد له الآن قريش جيشًا عرمرمًا، فمن لم يخرج من رجالها بعث مكانه رجلاً، وسوي أبي لهب لم يتخلف أحد من أشرافها، وما تقاعس عنهم بطن من بطون قريش خلا بني عدي، فلم يخرج منهم أحد، وما مضت إلا سويعات قليلة حتى كان جيش قوامه ألف وثلاثمائة مقاتل، معهم مائة فرس، وستمائة درع، وجمال كثيرة، قد بدأ مسيره، يتقدمه قائده العام أبو جهل بن هشام. لكن قريشًا بعد أن همت بمسيرها، تذكرت حربه مع بني بكر وخشيت أن تغير علي مكة في غيابها، فتبدي لها إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم *سيد بني كنانة* يطمئنهم قائلاً: أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه. فمضوا، وما علموا أن ما يكرهونه من خلفهم، قادم إليهم من بين أيديهم!.

تحرك جيش المشركين: "الآن نقتل مُحَمّدا وصحبه، الآن يمحى من الدنيا وجودهم، وغدًا تعلم العرب من نكون"! يبدو أن هذه الخواطر التي جالت برؤوس قريش الفارغة، وهي تدب بأقدامها الثقيلة في صحراء الجزيرة، فيعلو في الآفاق دويها، ويرتفع في السماء غبارها الكثيف، أما السؤال الذي تردد في صدور قريش، فتعجبها: أي قوة الآن في أرض العرب تقوم لنا؟!، تحركت جموع قريش بسرعة فائقة نحو الشمال في اتجاه بدر، وسلكوا في طريقهم وادي عسفان ثم قديدًا ثم الجحفة، حيث جاءتهم رسالة جديدة من أبي سفيان تقول كلماتها: إنكم إنما خرجتم لتحرزوا عيركم، ورجالكم وأموالكم، وقد نجاها الله فارجعوا. وقد كانت هذه الرسالة سببًا لوقوع انشقاق في جيش المشركين.

العير تفلت!: إن داهية قريش، أبا سفيان بن حرب ليس كعمرو بن الحضرمي وصحبه، الذين فتك بهم نفر قليل من المسلمين في سرية نخلة، فالرجل الحذر يعلم أن طريق القوافل اليوم ليس آمنًا كالأمس، وهو لذلك لا يكاد يخطو خطوة إلا وقد سبقتها حركاته الاستكشافية، وقد تقدم عيره حين اقترب من بدر، فلقي مجدي بن عمرو فسأله عن جيش المدينة فقال: ما رأيت أحدًا أنكره، إلا أني قد رأيت راكبين قد أناخا إلي هذا التل، ثم استقيا في شن لهما، ثم انطلقا. فأسرع أبو سفيان إلي روث بعيريهما، ففته فإذا فيه النوى، فأدرك أنها عير علفت بتمر يثرب، فبادر بترك الطريق الرئيسي الذي يمر ببدر، واتجه نحو الساحل، ناجيًا بالقافلة من الوقوع في قبضة جيش المدينة






قصه سيدنا محمد (ص) كامله الجزء الخامس والأخير 5
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قصه سيدنا محمد (ص) كامله الجزء الخامس والأخير
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قصه سيدنا محمد (ص) كامله الجزء الأول
» قصه سيدنا محمد (ص) كامله الجزء الثاني
» قصه سيدنا محمد (ص) كامله الجزء الثالث
» قصه سيدنا محمد (ص) كامله الجزء الرابع
» المشهد الرابع & الخامس من محنو سيدنا يوسف

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
chatromaisa :: قسم الاسلاميات :: التــــــــاريخ الاســلامى-
انتقل الى: