chatromaisa
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


chatromaisa
 
الرئيسيةالرئيسية  chat romaisachat romaisa  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 قصه سيدنا محمد (ص) كامله الجزء الرابع

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ЌÄFÃЛЎ 7ƠβμЙ
Admin
ЌÄFÃЛЎ 7ƠβμЙ


عدد المساهمات : 139
تاريخ التسجيل : 10/03/2010

قصه سيدنا محمد (ص) كامله الجزء الرابع Empty
مُساهمةموضوع: قصه سيدنا محمد (ص) كامله الجزء الرابع   قصه سيدنا محمد (ص) كامله الجزء الرابع Icon_minitimeالإثنين مارس 15, 2010 2:53 am

الإسراء والمعراج





ها هي البشارات تتوالى، والانتصارات تتعاقب في دأب شديد! ولئن بدا الرسول *صلي الله عليه وسلم* مهزومًا في عالم الشهادة، فلقد غدا منصورًا في عالم الغيب، الجن تؤمن به *في رحلة العودة من الطائف* حين كفر الناس، وأبواب السماء تفتح له، حين أغلقت في وجهه أبواب الأرض. أسري برسول الله *صلي الله عليه وسلم* بجسده من المسجد الحرام إلي بيت المقدس، راكبًا علي البراق، بصحبة جبريل *عليه السلام*، وبالمسجد الأقصى حيث أبناء إبراهيم من ولده إسحاق *عليهم السلام*، صلي مُحَمّد بالأنبياء إمامًا وكأن ذلك إيذان بانتقال النبوة من ولد إسحاق إلي ولد إسماعيل *عليهما وعلي أبيهما السلام*، ثم عرج به *صلي الله عليه وسلم* إلي السماوات العلا حيث توالت>رؤيته للآيات العجيبة، وأمام ربه *عز وجل* كان فرض الصلوات الخمس، فلما أصبح رسول الله *صلي الله عليه وسلم* في قومه أخبرهم بما أراه الله *عز وجل*، فكذبوه وآذوه، فساق لهم من دلائل صدقه ما يقنع عقولهم السقيمة، غير أنها لا تعمي الأبصار، ولكن تعمي القلوب التي في الصدور.

فرض الصلوات الخمس خمسون صلاة في كل يوم وليلة هي ما فرضها الله *سبحانه وتعالي* علي سيد الأنبياء في رحلة المعراج، لكنه *صلي الله عليه وسلم* حين مر بموسى *عليه السلام* أشار إليه أن يرجع إلي ربه ويسأله التخفيف لأمته، ففعل ووضع عنه ربه عشرًا، ولم يزل مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* يتردد بين موسى *عليه السلام* الناصح بالتخفيف وربه تبارك وتعالي، حتى صارت الصلوات خمسًا، وعندها أجاب *صلي الله عليه وسلم* موسى الناصح بمزيد من التخفيف: قد استحييت من ربي، ولكني أرضي وأسلم، فلما بعد نادي منادٍ: قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي.

ما رآه مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* من الآيات وجب علي الأنبياء حمل ما لم يحمل به غيرهم، ولذا فقد حق لهم أن يصلوا إلي يقين لا يلزم غيرهم، ولأن الخبر ليس كالمعاينة، فقد عاين الأنبياء من الآيات العجيبة ما جعل الدنيا بأسرها تدنو في أعينهم عن جناح بعوضة، وما جعلهم يستعذبون في سبيل حمل الرسالة ما يمر عليهم من المحن والعذاب. وفي رحلة المعراج رأي مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* من الآيات العجيبة ما ثبت فؤاده، وملأ قلبه يقينًا، ففي السماء الدنيا رأي آدم *عليه السلام*، ورأي أرواح الشهداء عن يمينه وأرواح الأشقياء عن يساره، وفي السماء الثانية رأي عيسي ويحيي *عليهما السلام*، وفي السماء الثالثة رأي يوسف *عليه السلام*، وفي السماء الرابعة رأي إدريس *عليه السلام*، وفي الخامسة رأي هارون *عليه السلام*، ورأي أخاه موسى*عليه السلام* في السادسة، ولما انتهي إلي السماء السابعة لقي إبراهيم *عليه السلام*، وكان كلما رأي نبيًا سلم عليه ذلك النبي ورحب به، وأقر بنبوته، ثم عرج به إلي الجبار* جل جلاله*، فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدني، وفي هذه الرحلة تكررت له *صلي الله عليه وسلم* حادثة شق الصدر، وعرض عليه اللبن والخمر فاختار اللبن، ورأي أربعة أنهار في الجنة، نهرين ظاهرين وهما: النيل والفرات، ونهرين باطنين، ورأي مالك خازن النار، كما رأي الجنة والنار، ورأي أكلة مال اليتامى لهم مشافر كمشافر الإبل، يقذفون بقطع من النار في أفواههم فتخرج من أدبارهم، ورأي أكلة الربا لهم بطون كبيرة لا يقدرون بسببها علي الحركة، ويطؤهم آل فرعون حين يعرضون علي النار، ورأي الزناة يأكلون اللحم الغث المنتن، ويتركون السمين الطيب إلي جنبه، ورأي النساء اللاتي يدخلن علي أزواجهن من ليس من أولادهم معلقات من أثدائهن، وقد قص مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* علي أهل مكة حين أصبح خبر رحلته فصدقه من شاء الله له أن يصدق، وكذبه من صرف عن رؤية الحق رغم دلائل صدقه التي ساقها لهم النبي.

دلائل صدقه من آمن بالإسلام كله لايكذبه لبعضه، ومن عرف مُحَمّدا *صلي الله عليه وسلم* آمن بصدقه كيفما حدَّث، هاتان الحقيقتان البسيطتان هما اللتان نطق بهما لسان أبي بكر بسهولة ويسر: لئن كان قاله، لقد صدق، فوالله إنه ليخبرني إن الخبر ليأتيه من السماء إلي الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه، فهذا أبعد مما تعجبون منه!، ولأن العقول والقلوب ليست كلها كعقل أبي بكر وقلبه، شاء الله أن يؤتي مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* أدلة دامغة لمن أراد أن يمعن النظر، فقد سأله الناس أن يصف لهم بيت المقدس، فجلاه الله له حتى عاينه، وطفق يخبرهم عن آياته، ولا يستطيعون أن يردوا عليه شيئًا، وأخبرهم عن عيرهم في مسراه ورجوعه، وأخبرهم عن وقت قدومها، وعن البعير الذي يقدمها، وعن بعير شرد لهم فدلهم عليه، وعن ماء كان لهم مغطي فشربه ثم تركه مغطي كما كان ليكون لهم آية، لكن أني لمن لم يصدع قلبه لآيات القرآن أن تهتز شعرة من رأسه لحديث النبي الصادق؟!.




بيعة العقبة الأولى




إن النبتة التي غرسها رسول الله *صلي الله عليه وسلم* بيده في موسم الحج في السنة الحادية عشرة للنبوة، قد اشتد عودها، حتى جاء في الموسم التالي اثنا عشر رجلاً، خمسة من الستة الذين قابلوه في العام الماضي، وسبعة جدد، جاءوا يبايعون الرسول *صلي الله عليه وسلم* عند العقبة بمني، بيعة كبيعة النساء يوم فتح مكة *أي علي الإيمان والطاعة*، دون حرب أو قتال، وقد بعث النبي *صلي الله عليه وسلم* معهم شابًا من السابقين إلي الإسلام هو مصعب بن عمير العبدري؛ ليعلم من أسلم بيثرب شئون دينهم، ويدعو بها من لم يسلم بعد، وقد بارك الله في سفارة مصعب، وكان يعرف بالمقرئ، وآمن بدعوته أسيد بن حضير، وسعد بن معاذ سيدا قومهما من بني عبد الأشهل، وقصة إسلامهما تنبئ بحكمة مصعب ودماثة خلقه، وقد أقام مصعب في دار أسعد بن زرارة يقوم بما انتدب له بجد وحماس حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون، إلا ما كان من دار أمية بن زيد، وخطمة، ووائل، فقد وقف بهم عن الإسلام قيس بن الأسلت الشاعر حتى عام الخندق العام الخامس للهجرة. ولم يأت العام المقبل: العام الثالث عشر للنبوة إلا ومصعب قد عاد إلي مكة، يزف إلي رسول الله *صلي الله عليه وسلم* بشائر الفوز، وبوارق الأمل، في قبائل يثرب، وما بها من خير ومنعة.

بيعة العقبة الثانية: الله أكبر!! موسم الحجيج للعام الثالث عشر من النبوة يسفر عن غرس مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* وقد استغلظ واستوي علي سوقه، وفد يثرب يقدم قاصدًا مكة وبين صفوفه ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان ممن أسلم وآمن بالدين الجديد، لا ينهزهم إلا شوقهم للقيا نبي الله *صلي الله عليه وسلم*، ومبايعته علي النصرة وتحت جناح الليل، وبعد مضي ثلثه الأول، كان التسلل خفية، للقاء الموعود، عند العقبة حيث الجمرة الأولي من مني، حسب الاتفاق المضروب، وبينا هم كذلك إذ طلع عليهم رسول الله *صلي الله عليه وسلم* ومعه العباس عمه *وهو بعد علي دين قومه*، أما أبو بكر وعلي فقد وقف كل منهما عينًا علي الطريق؛ لحراسة الاجتماع السري، وقبل أن يسرد النبي *صلي الله عليه وسلم* بنود البيعة أكد العباس علي خطورتها، وبعد أن سردها فقد كرر التأكيد علي خطورة البيعة، الأنصاريان السابقان: العباس بن عبادة، وأسعد بن زرارة، لكن الأنصار الذين عرف الإسلام طريقه إلي قلوبهم، ما كادوا يستمعون إلي قولهما حتى بادروا إلي مصافحة رسول الله *صلي الله عليه وسلم* قائلين: والله لا نذر هذه البيعة، ولا نستقيلها. وبعد أن تمت البيعة، قام الأنصار تنفيذًا لطلب رسول الله *صلي الله عليه وسلم* باختيار اثني عشر نقيبًا، حتى إذا تمت البيعة، اكتشف شيطان المعاهدة فصاح علي قريش يستفزهم، وسعت قريش لمطاردة المبايعين؛ لقتل حركة تعلم جيدًا شدة خطورتها، لكن الله سترهم، ولم تظفر قريش إلا بسعد بن عبادة الذي أجاره المطعم بن عدي، والحارث بن حرب بن أمية، فعاد سالمًا إلي ركبه، وعاد الجمع الميمون إلي المدينة ينشرون دعوة الله، ويهيئون يثرب لإقامة دولة الإسلام الأولي في الأرض، ويستعدون لاستقبال المهاجرين، ونبيهم *صلي الله عليه وسلم*.

بنود البيعة: كانت بيعة العقبة الأولي علي الإيمان والطاعة، أما هذه البيعة فقد كانت علي الجهاد والقتال كذلك، وقد جمع رسول الله *صلي الله عليه وسلم* بنود هذه البيعة في نقاط خمس:

1) الأولى : السمع والطاعة في النشاط والكسل

2) الثانية : النفقة في اليسر والعسر

3) الثالثة : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

4) الرابعة: أن يقوموا في سبيل الله لا تأخذهم في الله لومة لائم

5) الخامسة: أن ينصروا رسول الله *صلي الله عليه وسلم* إذا قدم إليهم، ويمنعونه مما يمنعون منه أنفسهم، وأزواجهم، وأبناءهم.

وواضح من هذه البنود الخمسة أن الإسلام لم يعد عقيدة تسكن أفئدتهم فحسب، بل صار دعوة، وحركة، وجهادًا، وتضحية، تكلفهم أرواحهم ودماءهم في بعض الأحيان، أما وعد النبي *صلي الله عليه وسلم* إن هم وفوا بما عليهم، فلم يكن النصر في الدنيا ولا الغلبة علي أعدائهم، كما لم يكن متاعًا أو جاهًا يتنعمون به إنما كان الجنة، والجنة فحسب. وقد سأل أبو الهيثم بن التيهان رسول الله *صلي الله عليه وسلم* قائلاً: يا رسول الله، إن بيننا وبين الرجال حبالاً، وإنا قاطعوها *يعني اليهود*، فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك، ثم أظهرك الله أن ترجع إلي قومك وتدعنا؟، فتبسم رسول الله *صلي الله عليه وسلم* ثم قال: بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم. وعلي شدة وضوح الخطورة في بنود هذه البيعة، إلا أنه تم التأكيد علي خطورتها من الحاضرين ليبايع من أراد وهو علي بينة من أمره.

التأكيد على خطورة البيعة أن يبايع المرء علي الدفاع عن دعوة جندها الفقراء والمستضعفون، وأعداؤها كل ذي سطوة وقوة علي ظهر الأرض ليس بالأمر اليسير، وخير للمرء أن يعتذر بأدب في أول الدرب علي أن ينكص علي عقبيه بعد أن يحاط بالجمع الغفير!. لهذا الأمر بدأ العباس عم النبي *صلي الله عليه وسلم* الحديث مع الأنصار قائلاً بقوة ووضوح: يا معشر الخزرج، إن مُحَمّدا منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممن هو علي مثل رأينا فيه، فهو في عز من قومه، ومنعة في بلده، وإنه قد أبي إلا الانحياز إليكم، واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه، فإنه في عزة ومنعة من قومه وبلده. والحق أن العباس قد أوضح الأمر بجلاء ويسر، فما كان من كعب بن مالك إلا أن طلب من رسول الله *صلي الله عليه وسلم* أن يسرد بنود بيعته حتى يبايعوه عليها، فقال: قد سمعنا ما قلت، فتكلم يا رسول الله، فخذ لنفسك ولربك ما أحببت! فسرد النبي *صلي الله عليه وسلم* بنود بيعته؛ ليبايعوه، لكن العباس بن عبادة أسرع ليؤكد للقوم خطورة ما أقدموا عليه فقال: إنكم تبايعونه علي حرب الأحمر والأسود من الناس، فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة، وأشرافكم قتلاً أسلمتموه، فمن الآن، فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه علي نهكة الأموال وقتل الأشراف فخذوه، فهو والله خير الدنيا والآخرة، فقالت الأنصار: لرسول الله *صلي الله عليه وسلم*: ابسط يدك. لكن أسعد بن زرارة أخذ بيده *صلي الله عليه وسلم* قائلاً: رويدًا يا أهل يثرب! إنا لم نضرب إليه أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة،وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم تصبرون علي ذلك فخذوه وأجركم علي الله،وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر لكم عند الله. لكن الأنصار صاحوا بأسعد في ثبات ويقين: يا أسعد، أمط عنا يدك، فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها. فكانت البيعة.



قصه سيدنا محمد (ص) كامله الجزء الرابع 5





اختيار النقباء


ما أروع الإسلام حين تدب في نصوصه الحياة فتسعي في الأرض تنظم للمسلمين شئونهم، يقرر الإسلام مبدأ الشورى، ثم تأتي بيعة العقبة الثانية ليتجلى هذا المبدأ في أبهى صوره، رسول الله لا ينتقي -وهو النبي المعصوم- منهم أحدًا، إنما يكل الأمر إليهم قائلاً: أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبًا؛ ليكونوا علي قومكم بما فيهم. أما الأنصار فيعلمون أنهم جميعًا أمام شرع الله سواء، من آمن في العام الحادي عشر، ومن بايع بيعة العقبة الأولي، ومن لم يمض علي بيعته سوي لحظات، الجميع سواسية، لهم نفس الحق، وعليهم ذات الواجب، وفي الحال تم انتخاب تسعة نقباء من الخزرج، وثلاثة من الأوس، ثم أخذ عليهم النبي -صلي الله عليه وسلم- ميثاقًا آخر بصفتهم الرئاسية قائلاً: أنتم علي قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسي بن مريم، وأنا كفيل علي قومي -يعني المسلمين-، فقالوا: نعم!. ويا لها من عظمة نبوية جليلة حين أعلن مُحَمّد -صلي الله عليه وسلم- التكافؤ في المسئولية بينه وبين النقباء الجدد في قوله: وأنا كفيل علي قومي.


اكتشاف قريش للبيعة ومطاردة المبايعين


"يا أهل الأخاشب، هل لكم في مُحَمّد والصباة معه قد اجتمعوا علي حربكم؟". انطلقت هذه الصيحة، بأنفذ صوت سمع قط، من فوق مرتفع من الأرض، في اللحظات الأخيرة للبيعة؛ لتصل إلي سمع كل قرشي بمني، وعرف النبي -صلي الله عليه وسلم- صاحب الصيحة فقال: هذا أزب العقبة -وهو شيطان-، أما والله يا عدو الله لأتفرغن لك. ثم أمر الأنصار أن يسارعوا إلي رحالهم، ولعل هذه الصيحة كانت أول اختيار وأسرعه لصدق الأنصار في بيعتهم، فقد أسرعوا بوضع أيديهم علي مقابض السيوف قائلين: لئن شئت يا رسول الله لنميلن غدًا علي أهل مني بأسيافنا؛ لكنه -صلي الله عليه وسلم- أبي أن يعجل بمعركة يكون ثمنها أرواح المسلمين، ودماءهم دون نفع أو جدوى فقال لهم: لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلي رحالكم؛ فرجعوا وناموا حتى أصبحوا، وظلت كلماته -صلي الله عليه وسلم-: "لم نؤمر بذلك" درسًا معلقًا بأذهانهم يتعلمون منه التخلي عن تهور الجاهلية وطيشها، وإعلاء مصلحة دين الله فوق كل مصلحة، والاحتكام الدائم إلي شرع الله تعالي، فلا تكون حركة إلا بأمر أو إجازة من الله ورسوله.

مطاردة المبايعين: مادت الأرض تحت أقدام قريش وطاشت عقولهم، إن مُحَمّدا قد أعجزهم وهو الضعيف بمكة، فكيف يصنع وكيف يصنعون إن وجد لدعوته حصنًا بيثرب؟! إنها نهاية قريش إذن، والواجب عليهم أن يبادروا الحركة الوليدة في مهدها قبل أن يشتد عودها، وينتشر خطرها، ذهب زعماء مكة إلي مخيم يثرب قائلين: يا معشر الخزرج إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلي صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا، وتبايعونه علي حربنا، وإنا والله ما من حي من العرب أبغض إلينا من أن تنشب الحرب بيننا وبينكم، وبقدر ما اشتمل قولهم هذا علي التهديد والوعيد بقدر ما اكتسي بحلة الرقة والملاطفة، لكن مشركي يثرب ما كان لهم علم بما صنعه أهلوهم من المسلمين، فأخذوا يقسمون لهم أن حلفًا بينهم وبين مُحَمّد ما وقع، وما كان له أن يقع، وما زالوا بهم حتى أقنعوهم بكذب هذا الخبر. انصرفت قريش وهي لا تشك في صدقهم، ثم إنهم لم يزالوا يبحثون ويتحرون عن الأمر حتى تأكد لهم أن الخبر صحيح، والبيعة قد تمت فعلاً، فهموا بمطاردة اليثربيين، لكن بعد فوات الأوان، إذ كانوا قد انصرفوا إلي أوطانهم، فلم يدركوا منهم إلا سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو فطاردوهما، وأفلت المنذر منهم فلم يظفروا إلا بسعد بن عبادة الذي أخذوا يضربونه ويجرون شعره حتى أدخلوه مكة، وما أنقذه من أيديهم إلا المطعم بن عدي والحارث بن حرب بن أمية، فقد كان سعد يجير لهما قوافلهما المارة بالمدينة، ولحق سعد بإخوانه، فعاد الركب المبارك آمنًا إلي المدينة.



الهجرة إلى يثرب ومؤامرة قريش



كانت بيعة العقبة الثانية أخطر انتصار حققته الدعوة منذ ولادتها، فقد صار لها اليوم حصن ووطن، وسط صحراء العرب الواسعة، وكما أدرك هذا رسول الله *صلي الله عليه وسلم* فأسرع في إرسال المسلمين إلي يثرب ليبادروا إلي تأسيس المجتمع الجديد بها، فإن قريشًا قد انتبهت لذلك أيضًا، فأخذت تحول بينهم وبين الهجرة، وفي ظل هذا المناخ القلق كان المسلمون يلوذون فرارًا إلي يثرب، لا يحملون معهم سوي إيمانهم بالله ويقينهم به، مخلفين وراءهم بيوتهم وأموالهم، وتجارتهم ومصالحهم، بل بعض أهليهم في العديد من الأحيان. وإن هجرة كهجرة أبي سلمة وزوجته، وكهجرة صهيب الرومي، أو هجرة عياش بن أبي ربيعة، لتوضح لنا ما كان المسلمون يلاقونه من كيد قريش حتى يمنعوهم من الهجرة، لكن عناية الله ورحمته حالت دونهم وما يبغون، فما مضي بعد بيعة العقبة إلا شهران وبضعة أيام حتى لم يبق بمكة من المسلمين إلا رسول الله، وأبو بكر، وعلي *أقاما بأمره لهما*، ومن احتبسه المشركون كرهًا.

مؤامرة قريش إن الخطر الذي كانت تراه قريش بعقلها حين تفكر في أمر هذه الدعوة قد أخذ يتجسد الآن بعد هجرة المسلمين إلي يثرب، حتى صارت تراه حقيقة بعيونها المندهشة!، ولئن هي صبرت علي مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* دون أن تغمد في صدره سيفها فيما مضي احترامًا لأبي طالب، أو إبقاءً علي ود بني هاشم، أو إجلالاً لجوار المطعم بن عدي، فإن ما يحدث بيثرب الآن يدفعها دفعًا؛ لتجهز علي هذا النبي قبل أن يلحق بأتباعه، فلا تستطيع رد سهم قد نفذ. واجتمعت في دار الندوة في السادس والعشرين من صفر سنة أربع عشرة من البعثة وجوه قريش الممثلة لكافة بطونها، وظلوا يتدارسون بينهم خطة الإجهاز علي نبي الله *صلي الله عليه وسلم* وانتهت المشاورة إلي أخبث خطة لقتل من أرسل رحمة للعالمين... مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم*.

المشاورة: بين جدران دار الندوة كانت المؤامرة تحاك خيوطها، والجريمة البشعة ترسم خطواتها، ولئن بدأ إخوة يوسف بالقتل حين أرادوا الوقيعة به ثم انتهوا إلي النفي لصلاح بقي في قلوبهم، فإن قلوب وجوه قريش المظلمة، وعقولهم الصدئة قد أبت إلا تنكب هذا الطريق، بدأت آراؤهم بقول ابن الأسود: نخرجه من بين أظهرنا، وننفيه من بلادنا، ولا نبالي أين ذهب، ولا حيث وقع، فقد أصلحنا أمرنا وألفتنا كما كانت. ثم عرجت آراؤهم إلي قول البختري: احبسوه في الحديد، وأغلقوا عليه بابًا، ثم تربصوا به ما أصاب أمثاله من الشعراء الذين كانوا قبله *زهير والنابغة* ومن مضي منهم من هذا الموت، حتى يصيبه ما أصابهم. لكن حظ هذا الرأي من القبول لم يزد عن سابقه، ثم انتهوا إلي رأي أبي جهل بن هشام الذي قال لهم: والله إن لي فيه رأيًا ما أراكم وقعتم عليه بعد!، أري أن نأخذ من كل قبيلة فتي شابًا جليدًا نسيبًا وسيطًا فينا، ثم نعطي كل فتي منهم سيفًا صارمًا، ثم يعمدوا إليه، فيضربوه بها ضربة رجل واحد، فيقتلوه فنستريح منه، فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعًا فلم يقدر بنو عبد مناف علي حرب قومهم جميعًا، فرضوا منا بالدية فأديناها لهم. ووافق المتآمرون علي هذا الاقتراح الآثم بالإجماع، ورجعوا إلي بيوتهم، وقد ظنوا أنهم سينفذونه.

أسماء المؤتمرين: كان المؤتمرون في هذا اليوم يمثلون وجوه قريش وبطونها، فعن قبيلة بني مخزوم كان أبو جهل بن هشام، وعن بني نوفل بن عبد مناف كان جبير بن مطعم وطعيمة بن عدي، وعن بني عبد شمس بن عبد مناف كان شيبة وعتبة ابنا ربيعة وأبو سفيان بن حرب، وعن بني عبدالدار كان النضر بن الحارث، وعن بني أسد بن عبدالعزي كان أبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود وحكيم بن حزام، وعن بني سهم كان نبيه ومنبه ابنا الحجاج، وعن بني جمح كان أمية بن خلف، وعند مجيئهم إلي دار الندوة اعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل، فقالوا له: من الشيخ؟، فأجابهم: شيخ من أهل نجد، سمع بالذي اتعدتم له، فحضر معكم ليسمع ما تقولون، وعسي ألا يعدمكم منه رأيًا ونصحًا؛ فأدخلوه معهم، وهكذا اجتمع إبليس الجن مع أبالسة الإنس علي كيد النبي *صلي الله عليه وسلم* والله بما يعملون محيط.


هجرة النبي *صلي الله عليه وسلم*


"علي رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي". هكذا كانت إجابة النبي *صلي الله عليه وسلم* لأبي بكر حين تجهز للهجرة إلي المدينة، وما إن علم الصديق بذلك حتى حبس نفسه علي رسول الله *صلي الله عليه وسلم*، ليصحبه، وعلف راحلتين بذلك استعدادًا للهجرة المرتقبة، وفي السابع والعشرين من صفر للسنة الرابعة عشرة من النبوة جاء الأمر بالهجرة من الله *عز وجل* إلي رسوله الكريم، فانطلق في الظهيرة إلي صاحبه أبي بكر، متقنعًا؛ ليخبره الخبر، ثم رجع *صلي الله عليه وسلم* بعد أن أبرم الخطة مع صديقه إلي بيته ينتظر مجيئ الليل، أما مشركو مكة فقد تعجلوا تنفيذ مؤامرتهم الدنيئة، وقاموا بتطويق المنزل، حتى يغمدوا في صدره الشريف سيوفهم إذا أرخي الليل أستاره، لكن رافع السماوات بغير عمد، مالك الملك، ومدبر الأمر *سبحانه وتعالي*، جرت مشيئته بأن يغادر الرسول بيته، ثم يلحق بأبي بكر؛ ليتحركا إلي غار ثور، وفي الغار كان اختباؤهما عن عيون قريش، التي جن جنونها، وأسرعت في مطاردة الرسول *صلي الله عليه وسلم*، ولما أعجزها الطلب، رصدت مكافأة ضخمة لمن يأتي لها بالمهاجرين حيين أو ميتين، فاجتمع عليه *صلي الله عليه وسلم* مع مطاردة قريش مطاردة سراقة بن مالك أيضًا. ومضي النبي *صلي الله عليه وسلم* في حماية ربه وأمنه قدمًا في الطريق إلي المدينة، وجرت له بها أحداث عديدة، منها: نزوله *صلي الله عليه وسلم* وأبي بكر في خيمة أم معبد، التي هنئت بمقدمه المبارك، ومازال الرسول *صلي الله عليه وسلم* يتقدم في مسيره حتى نزل بقباء، ثم دخل المدينة التي طال اشتياق أهلها لمجيئه وإقامته بها، وبعد أيام من وصوله لحق به أهله *صلي الله عليه وسلم* وأهل أبي بكر، ثم كانت هجرة علي *كرم الله وجهه*.

الأمر بالهجرة نزل جبريل الأمين *عليه السلام* إلي النبي يخبره بمؤامرة قريش، وأن الله قد أذن له في الهجرة، ويحدد له وقت الهجرة في قوله: لا تبت هذه الليلة علي فراشك الذي كنت تبيت عليه. ومن فوره ذهب الرسول *صلي الله عليه وسلم* في حر الظهيرة إلي أبي بكر متقنعًا، فعلم الصديق أن نبيه لم يأت في هذه الساعة إلا لأمر قد حدث، واستأذن رسول الله *صلي الله عليه وسلم* ثم دخل علي أبي بكر *رضي الله عنه* قائلاً: إني قد أذن لي في الخروج، فأجابه الصديق: الصحبة بأبي أنت يا رسول الله؟! فقال *صلي الله عليه وسلم*: نعم. وعاد النبي *صلي الله عليه وسلم* إلي بيته مترقبًا مجيء ليل، ينتظره معه صناديد قريش!.

تطويق المنزل أمضي كبراء قريش *بل سفهاؤها* نهارهم في الإعداد لمعركتهم الكبرى والتي سيواجهون فيها بشجاعة رجلاً أعزل ينام هادئًا في فراشه البسيط!! وبسخرية شديدة أبدي أبو جهل دهشته المتعالية من أمر النبي *صلي الله عليه وسلم* حين وقف مع جمعه الفتي محاصرًا بيت النبوة غير شاك من نفاذ أمره قائلاً: إن مُحَمّدا يزعم أنكم إن تابعتموه علي أمره كنتم ملوك العرب والعجم، ثم بعثتم من بعد موتكم، فجعلت لكم جنان كجنان الأردن، وإن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح، ثم بعثتم من بعد موتكم ثم جعلت لكم نارٌ تحرقون فيها. ولا شك أن سخريةً ودهشةً هما أكبر من سخرية أبي جهل ودهشته ستكون من نصيبنا نحن!! نحن الذين نطالع الآن هذا الحدث، ونحن نعلم كيف سيخيب أبو جهل وفريقه، وكيف سيخرج النبي *صلي الله عليه وسلم* من بينهم سالمًا، وكيف سيكون له فيهم ذبح، ويكون لأتباعه من بعده ملك العرب والعجم، أما السخرية فمن موقفه المتعالي ذاك، وأما الدهشة فمما نعلمه من إصراره علي مضيه في طريقه بعد ظفره من هذا الحصار بخفي حنين الشهيرين!.

الرسول يغادر بيته مر رجل مشرك ببيت مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* ليلاً فرأي أمرًا عجبًا، سادة قريش وكبراؤها ينامون حول باب البيت ورؤوسهم مغطاة بالتراب!! وبدهشة قد خالطتها السخرية أيقظهم متسائلاً: ماذا تنتظرون؟، فأجابوه بثقة الأغبياء: مُحَمّدا. أما مُحَمّد الذي ينتظرونه فإنه قد خرج من بين صفوفهم المتراصة، بعد أن جعل عليًا مكانه في الفراش، وغطاه ببردته، وأخذ حفنة من التراب وجعل يذرها علي رؤوسهم، وهو يتلو: (وجعلنا من بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا فأغشيناهم فهم لا يبصرون)، وأفاق مشركو مكة علي كلمات الرجل، التي ألقاها في وجوههم وهو يتولى عنهم متعجبًا قائلاً: خبتم وخسرتم، فو الله مر بكم، وذر علي رؤوسكم التراب، وانطلق لحاجته، لكن النومى المعاندين نفضوا عن رؤوسهم التراب، وتطلعوا من صير الباب، فرأوا عليًا، فطمأن بعضهم بعضًا قائلين: والله إن هذا لمُحَمّد نائم، عليه برده. فبقوا في أماكنهم متيقظين متنبهين حتى استيقظ علي وقام عن فراشه، فطاش صوابهم، وسألوه عن النبي *صلي الله عليه وسلم* فقال ببساطة: لا علم لي به!.


من الدار إلى الغار ومطاردة الرسول


بينا الليل قد أرخي ستاره علي مكة في ليلة السابع والعشرين من شهر صفر للسنة الرابعة عشرة لبعثته *صلي الله عليه وسلم* إذ سمع أبو بكر الصديق من يطرق بابه، وعلي الفور استقبل الصديق زائره المرتقب مُحَمّدا *صلي الله عليه وسلم*، وأسرع خارجًا معه من باب خلفي بالدار، وعلي عكس المتوقع، اتجه النبي *صلي الله عليه وسلم* وصاحبه جنوبًا باتجاه اليمن، وأخذ يجدُّ وصاحبه في السير خمسة أميال حتى وصلا إلي جبل شامخ، وعر الطريق، صعب المرتقي، ذي أحجار كثيرة، يعرف بجبل ثور، فتسلقاه إلي أن انتهيا إلي غار في قمة الجبل، عرف بغار ثور فدخلاه.

في الغار لا شك أن تاريخ الإنسان علي الأرض سيظل يحفظ في ذاكرته هذا المشهد باعتزاز وتقدير! نبي كريم يحمل النور للبشرية يقبع في غار مظلم، وقد أجهده السير، فوضع رأسه في حجر صاحبه، ثم نام لكنه الآن ينتبه، وما أيقظه إلا دموع صاحبه التي انحدرت رغمًا عنه فوقعت علي وجهه الشريف، ويسائل مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* صاحبه: مالك يا أبا بكر؟ فيجيبه الصديق: لدغت، فداك أبي وأمي. إن أبا بكر وقد وجد ثقبين في الغار، خاف علي نبيه العظيم، فوضع في كل واحد منهما قدمًا من قدميه، حتى لدغ، فأبي أن يتحرك حتى لا يوقظ حبيبه، حقًا ما أقسى جبل ثور، وما أرق المشاعر التي حبست في جوفه!، تفل الرسول صلي الله عليه وسلم* علي قدمه، فذهب عن أبي بكر ما أصابه، وبقي المهاجران بالغار ثلاث ليال يأتيهما عبد الله بن أبي بكر بخبر قريش ليلاً، ثم يغدو عليهما عامر بن فهيرة مولي أبي بكر بغنم له، فيشربان من لبنها، ويعود مولي أبي بكر بغنمه إلي مكة، مزيلاً بآثارها آثار ابن أبي بكر.

مطاردة الرسول *صلي الله عليه وسلم* إن سيوف قريش العازمة علي اختراق جسد النبي الشريف لم تلق في صبيحتها مُحَمّدا في بيته، وبدلاً من اعترافها بالعجز أمام قدرة الله تعالي ومشيئته، استدارت رؤوس الكفر لتصب جام غضبها، وتظهر مدي شجاعتها علي فتي أعزل، وفتاة وحيدة، أما الفتي فكان عليًا، فضربوه وسحبوه إلي الكعبة، وحبسوه ساعة، وأما الفتاة فكانت أسماء بنت أبي بكر، قدموا إليه بقوتهم المتغابية، بعد أن عجزوا عن أن يظفروا من علي بمعلومة تفيدهم، فقرعوا بابها وسألوها عن أبيها، فأجابتهم بثبات: لا أدري والله أين أبي، فرفع المتغطرس الفاحش الخبيث أبو جهل يده، ولطم خدها لطمة طرح منها قرطها، ثم مضي يعوي، وقد لحقه جيش الأغبياء. واجتمعت قريش، وأصدرت أوامرها المتعالية الطائشة: توضع جميع الطرق الخارجة من مكة تحت الحراسة المشددة، ومن يأت بمُحَمّد أو صاحبه حيًا أو ميتًا يمنح مكافأة مائة من الإبل. ينتشر علي الفور الفرسان والمشاة وقصاص الأثر في الطلب. لكن ما جدوى ذلك كله والله هو المقدر والمدبر؟! نعم وصلت أقدامهم الخائبة إلي باب الغار، وخشي أبو بكر من افتضاح أمرهما وقال: يا نبي الله، لو أن بعضهم طأطأ بصره لرآنا، وخاف أن يمس رسول الله *صلي الله عليه وسلم* بسوء، فقال: إن قتلت فإنما أنا رجل واحد، وإن قتلت أنت هلكت الأمة، لكن ما جدوى وصولهم والأمر بيد الله تعالي من قبل ومن بعد؟! هكذا كان الدرس الذي نطق به النبي *صلي الله عليه وسلم* متسائلاً: ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما؟!.

مطاردة سراقة فارس مترجل عن فرسه النجيبة، يحمل رمحه، ويسعى خلف رجل أعزل يطلب منه الأمان! والأعزل يسير قدمًا، يتلو قرآن ربه، ولا يلتفت إليه! تلك هي الصورة التي نقلتها لنا كتب السيرة لفارس بني مدلج: سراقة بن مالك بن جعشم، حين خرج يطارد رسول الله *صلي الله عليه وسلم* وصاحبه الصديق طامعًا في مكافأة قريش، فعاندته فرسه وغاصت قوائمها في الرمل مرارًا، حتى علم أن مُحَمّدا وصاحبه ممنوعان، وأعطي مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* سراقة الأمان، كتابًا خطه عامر بن فهيرة، ليحتفظ به سراقة، سراقة الذي بدأ يومه محاربًا للنبي *صلي الله عليه وسلم*، ثم أنهي هذا اليوم مدافعًا عنه، بتضليل المطاردين له، وصرفهم عن هذا الطريق.


في الطريق إلى المدينة


ثلاثة أيام مرت علي النبي *صلي الله عليه وسلم* وصاحبه في الغار حتى هدأت المطاردة، ثم خرجا بعدها ليبدءا رحلتهما إلي المدينة بصحبة دليلهما عبد الله بن أريقط، الذي كان علي دين قريش، وكانا قد عهدا إليه براحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال، وصحبهما أيضًا عامر بن فهيرة مولي أبي بكر، وأتتهما أسماء بنت أبي بكر بطعامهما، ثم تحرك الركب جنوبًا باتجاه اليمن، فغربًا نحو الساحل ثم شمالاً بمحاذاة الساحل، في طريق لا يسلكه أحد إلا نادرًا، وكان الصديق خلال الرحلة يفرغ وسعه لراحة النبي *صلي الله عليه وسلم* وأمنه، فإذا سأله أحد: من هذا الرجل الذي بين يديك؟، أجابه: هذا الرجل يهديني الطريق؛ حتى يخفي حقيقة النبي *صلي الله عليه وسلم* طلبًا لسلامته، ودون أن يكذب، وفي الطريق كانت هناك مفاجأة كبيرة تنتظر رسول الله *صلي الله عليه وسلم* وصاحبه: تلك هي اعتراض بريدة بن الحصيب الأسلمي لهما طمعًا في مكافأة قريش، لكن رسول الله *صلي الله عليه وسلم* دعاه إلي الإسلام، فأسلم من فوره مع سبعين رجلاً من قومه، ونزع عمامته، وعقدها برمحه، فاتخذها راية تعلن بأن ملك الأمن والسلام قد جاء ليملأ الدنيا عدلاً وقسطًا، وكانت فرحة رسول الله *صلي الله عليه وسلم* بهذا النصر الجديد كبيرة، إذ بإسلام بريدة الذي كان سيد قومه دخلت قبيلة أسلم في الإسلام، وصارت قاعدة إسلامية جديدة علي الطريق بين مكة والمدينة، ولقي النبي *صلي الله عليه وسلم* في الطريق أيضًا الزبير، وهو في كرب من المسلمين، كانوا تجارًا عائدين من الشام، فكسا الزبير النبي *صلي الله عليه وسلم*وصاحبه ثيابًا بيضاء.



في خيمة أم معبد


حامل الخير تجد أثره وريحه حيثما مر! ولقد مر نبي الله بخيمتي أم معبد الخزاعية، وكانت امرأة جلدة تطعم وتسقي من مر بها، إلا أنها اعتذرت عن تقديم شيء لمُحَمّد وصاحبه قائلة: والله لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القرى، فجاء النبي إلي شاة ضعيفة، لم تستطع لشدة ما بها أن ترعي مع الغنم، ثم مسح بيده الشريفة علي ضرعها، وسمي الله ودعا، فامتلأ لبنًا حلبه النبي *صلي الله عليه وسلم*، ثم سقاها، فشربت حتى رويت، وسقي صحبه حتى روي، ثم شرب وحلب في إناء لها ثانيًا، حتى ملأه ثم تركها وارتحل، وأفاقت أم معبد علي صوت زوجها: من أين لك هذا؟ والشاة عازب ولا حلوبة في البيت؟! فأخبرته خبر الرجل المبارك الذي مر بها فقال: إني والله أراه صاحب قريش الذي تطلبه، ثم قال: لقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلي ذلك سبيلا!. أما أهل مكة فقد أصبحوا يسمعون صوتًا ينشد بأبيات يصف بها مرور مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* بخيمتي أم معبد، وهم يتبعون صاحب الصوت ولا يرونه، فلما سمع الناس صوت هذا الرجل من الجن علموا أين ذهب مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم*.

النزول بقباء كانت ظهيرة يوم الإثنين الثامن من ربيع الأول سنة أربع عشرة للنبوة، ظهيرة شديدٌ حرها، ألجأت المسلمين الذين كانوا يخرجون لاستقبال رسول الله *صلي الله عليه وسلم*، تتنازعهم مشاعر الخوف، وجواذب الشوق* ألجأتهم إلي الاحتماء ببيوتهم، وفي هذا الجو القلق، الذي يغلفه السكون برداء ثقيل، إذا بصرخة مدوية يطلقها يهودي من فوق مرتفع تشق عنان السماء قائلة: يا معاشر العرب، هذا جدكم الذي تنتظرون!. وما كادت هذه الصرخة تصل إلي آذانهم حتى انطلق المسلمون إلي السلاح، وتعالت أصوات التكبير فرحًا بقدومه، وسمع التكبير في بني عمرو بن عوف، وأسرع المسلمون للقاء المرتقب، لقاء خير الأحبة، وسيد الأنام، حامل النور والهداية، مُحَمّد بن عبد الله فأحدقوا به، وأحاطوه وقد كسته السكينة، والوحي يتنزل عليه بقول ربه *عز وجل*: (فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين، والملائكة بعد ذلك ظهير)، وكان يومًا مشهودًا زحفت فيه المدينة بأسرها لاستقبال الرسول، ونزل في بني عمرو بن عوف، ونزل بقباء علي كلثوم بن الهدم، وأقام بها أربعة أيام، أسس خلالها مسجد قباء وصلي فيه، فلما كان بها اليوم الخامس *يوم الجمعة*؛ أرسل إلي أخواله من بني النجار، فجاءوا متقلدين سيوفهم، فركب وأبو بكر خلفه، وسار نحو المدينة، حتى أدركته الجمعة في بني سالم بن عوف، فصلي بهم الجمعة وكانوا مائة رجل




قصه سيدنا محمد (ص) كامله الجزء الرابع 5



الدخول في المدينة


إن عافية الله الواسعة، والتي سألها مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* ربه والدماء تغطي عقبيه، وهو مطرود ملاحق من سفهاء الطائف تتبدى الآن إحدى آياتها، فطرقات المدينة وبيوتها تهتز بأصوات التكبير والتحميد، وبنات الأنصار ينشدن الأناشيد فرحًا بقدوم النبي، ونبي الله يتجاذب خطام راحلته أهل الأنصار وكل يقول له: هلم إلي العدد والعدة، والسلاح والمنعة، وهو يقول لهم: خلوا سبيلها فإنها مأمورة. أما دابة النبي *صلي الله عليه وسلم* فكان من توفيق الله لها أن بركت في ديار بني النجار *أخوال رسول الله* من كان يحب أن ينزل عليهم، ونزل عنها النبي *صلي الله عليه وسلم* وأقام في بيت أبي أيوب الأنصاري، وأخذ أسعد بن زرارة بزمام راحلته فكانت عنده، وهكذا صار لدعوة الله دار تعيش بها، وصار لقيادتها حصن تأوي إليه، وبقي للإسلام أن يخوض معركته الكبرى بتأسيس مجتمع جديد! وقد دعا نبي الله *صلي الله عليه وسلم* للمدينة حين أخبرته زوجه عائشة بمرض أبي بكر وبلال فقال: اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد حبًا، وصححها، وبارك في صاعها ومدها وانقل حُمَّاها فاجعلها بالجحفة.

هجرة أهله وأهل أبي بكر بعد أيام من وصوله إلي المدينة وصلت إليه زوجته سودة، وبنتاه فاطمة وأم كلثوم، وأسامة بن زيد، وأم أيمن، وخرج معهم عبد الله بن أبي بكر بعيال أبي بكر ومنهم عائشة، وبقيت زينب عند أبي العاص لم يمكنها من الخروج حتى هاجرت بعد بدر.

هجرة علي *رضي الله عنه* إن رسول الله *صلي الله عليه وسلم* الذي أحاط به قومه ليقتلوه ليلة الهجرة أوصي عليًا حين جعله مكانه في فراشه أن يرد الودائع التي عنده لأهلها من قريش، وما إن قام علي بن أبي طالب بمهمته تلك في أيام ثلاثة حتى هاجر ماشيًا علي قدميه؛ ليلحق بنبيه بقباء، وينزل عند كلثوم بن الهدم.

الدفاع عن المدينة


في الجزء الخامس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قصه سيدنا محمد (ص) كامله الجزء الرابع
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قصه سيدنا محمد (ص) كامله الجزء الأول
» قصه سيدنا محمد (ص) كامله الجزء الثاني
» قصه سيدنا محمد (ص) كامله الجزء الثالث
» قصه سيدنا محمد (ص) كامله الجزء الخامس والأخير
» المشهد الرابع & الخامس من محنو سيدنا يوسف

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
chatromaisa :: قسم الاسلاميات :: التــــــــاريخ الاســلامى-
انتقل الى: